السلام في أفغانستان ... الكاسب والكاذب

طريق الاستحواذ
السلام في أفغانستان ... الكاسب والكاذب

النبأ – عبد الله الطاهر
في ظل التطورات الراهنة في السياسة الدولية ومحاولات الولايات المتحدة عبر إدارتها الجديدة بقيادة الرئيس باراك أوباما لانتهاج الدبلوماسية لتغيير صورتها السالبة التي تكونت في ظل إدارة الرئيس السابق جورج بوش، والمحاولات التي بدأت تظهر من بعض الدول مثال الصين وروسيا وبعض دول الإتحاد السوفيتي السابق لإعادة ترتيب علاقاتها مع أمريكا من منظور الندية، تظهر في الأفق أفغانستان كمحور رئيسي في إطار تلك الصراعات غير المعلنة وتلك التغيرات التي بدأت تطال الأوضاع الدولية والنظام العالمي الجديد الذي فيما يبدو سيزول عما قريب ليحل محله نظاماً دولياً آخر لن يكون للولايات المتحدة فيه دوراً كما هو اليوم إنما سيتقلص ذلك الدور.
لقد شكلت الحرب على أفغانستان اختباراً عصياً على الولايات المتحدة وقدرتها على مكافحة ما تسميه بـ "الإرهاب"، الذي كان هو نتيجة طبيعية لسياساتها تجاه العالم الإسلامي، فحصيلتها حتى الآن من النجاحات لا تتعدى الدمار والخراب والقتل العشوائي والمزيد من الأوضاع الإنسانية المتردية في ذلك البلد المسلم، وقد ساهمت تلك الحرب مع الحرب في العراق في إنهاك الاقتصاد الأمريكي وكلفته أكثر من ثلاثة مليارات دولار شهرياً، مثلما أنهكت الحرب السوفييتية على أفغانستان الاقتصاد السوفيتي وأدت إلى انهياره في نهاية المطاف.
إذن فقد شكلت أفغانستان على مر العهود الحجر الذي تتكثر عليه نصال الذين يحملون أطماعاً عبر سياساتهم في تلك البلاد.
وتشكل القمة الثلاثية التي عُقِدت في واشنطن بين الرئيس الأفغاني حميد كرزاي والباكستاني آصف علي زرداري والرئيس الأمريكي باراك أوباما، نقطة لإحداث تحولات في السياسة الأمريكية تجاه البلدان اللذان لم يسلما من تأثيرات ما يسمى بـ "الحرب على الإرهاب".
وتسعى إدارة اوباما إلى دفع البلدين إلى التعاون في المعركة ضد ما تسميه بـ"المتطرفين" الذين يعبرون حدود البلدين، وكذلك التعاون في قطاعات أخرى مثل التجارة والزراعة.
وتنشر الولايات المتحدة حالياً 45 ألف جندي في أفغانستان لكنها لا تتمتع بوجود عسكري في باكستان وتشن غارات باستمرار انطلاقاً من أفغانستان على طالبان في باكستان.
كما تؤكد إدارة أوباما أيضاً ضرورة تعزيز الحكومة الباكستانية بالمساعدة الاقتصادية.
واعترف أوباما بنفسه بأن "الطريق سيكون طويلا وسيحدث مزيد من العنف ومزيد من الانتكاسات".
وجاءت الأنباء التي تحدثت عن مقتل عشرات المدنيين الأسبوع الماضي في معارك وعمليات قصف قامت بها القوت الأمريكية في افغانستان لتذكر بذلك.
واكتفت الإدارة الأمريكية، كدأبها دائماً، بـ"أسفها العميق" لسقوط قتلى مدنيين، كأن الأمر ليس له أي أهمية، وقالت هيلاري كلينتون إن الإدارة الأمريكية تشعر "بأسف عميق" لسقوط هؤلاء القتلى بينما أكد أوباما أن الولايات المتحدة ستفعل ما بوسعها لتجنب سقوط ضحايا مدنيين.
السؤال الذي ظل يطرحه العديد من المراقبين يتلخص في من سيكسب السلام؟، وإلى من ستكون الغلبة في الاستحواذ على خيرات ومقدرات أفغانستان وإحكام السيطرة على الباكستان؟، صحيح أن الأحداث الجارية في أفغانستان وتمتد إلى عمق الباكستان فإن حسابات كل دولة بشأن من ستكون له الغلبة سوف تؤثر على رد فعلها على الاستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى، وفقاً لـ"مايرا مكدونالد" في تقرير لوكالة رويترز مستهل الشهر الماضي.
في الطريق نحو أفغانستان يشد الخطى عدد من اللاعبين الذين يسعون للاستحواذ والسبق، ويتشكلون من الصين التي فتحت طرقا تجارية وحسنت من إمكانية حصولها على النفط والغاز والموارد المعدنية في اسيا الوسطى وما بعدها.
وهناك روسيا وايران وسعيهما الحثيث لنهاية الوجود الأمريكي في فنائهما الخلفي لكنهما ستفقدان نفوذهما على امدادات الطاقة إذا جاء السلام بعدد متنوع من خطوط الأنابيب والطرق البرية التي تمر عبر أفغانستان.
أما الهند وباكستان فإنهما ستسعيان جاهدتين للتعامل مع التسويات القاسية اللازمة لتخفيف حدة العداء الممتد منذ 60 عاماً والذي تحول إلى منافسة على النفوذ في أفغانستان.
ويندرج لقاء الرئيس أوباما مع كرزاي و زرداري محاولات من قبل الولايات المتحدة للتمويه على مسار استراتيجيات الدول المعنية بسلام أفغانستان وإعطاء لون مغاير للسلام الأمريكي الكاذب الذي دائماً ما تسبقة بضربات عسكرية كما حدث الأسبوع الماضي من عمليات قصف غرب افغانستان، لتقوية موقفها.
صحيح أن المنهج الدبلوماسي والتغيير هي سمات الإدارة الأمريكية الجديدة لكنها في الوقت ذاته تتبع أساليب أكثر ليونه خاصة مع الصين لحاجتها الماسة لها فيما يتعلق بشراء سندات الديون، ولكن ذلك لن يجعل الأمر سهل على الصين للاستحواذ على المكاسب من السلام في أفغاسنان.
هناك صعوبات كثيرة تواجه الدول الأخرى فإيران هناك العديد من الضغوط تمارس عليها فيما يتعلق ببرنامجها النووي لذلك فإن استراتيجياتها في المنطقة ستكون ضمن تسويات ملفها النووي، وهو أمر رهين بقدرتها على الاستمرار في مواقفها.
أما روسيا التي تتقاطع مع الصين وتلتقي معها في محاولات الحد من النفوذ الغربي، فهي وإن كان موقفها أكثر قوة من إيران فهي تنوء بالكثير من المشكلات وإمكانية التدخل الأمريكي، وتهيمن روسيا والصين على منظمة شنغهاي للتعاون وهي تجمع لدول آسيا الوسطى يهدف إلى موازنة النفوذ الغربي.
أما الباكستان فإن الولايات المتحدة تسعى لتحييدها حتى لا يكون لها مكاسب تحققها من السلام في أفغانستان في ظل محاولات استقطاب لها من قبل لاعبين آخرين، وقد ظهر ذلك في ضم الرئيس الباكستاني للقاء أوباما مع الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، والمساعدات الضخمة التي ستقدمها أمريكا إلى باكستان، عبر خطة المساعدة غير العسكرية التي قدمها السناتور كيري وزميله الجمهوري ريتشارد لوغار بقيمة 7,5 مليار دولار على مدى خمس سنوات.
ومن النقاط الأساسية لذلك اللقاء الثلاثي إنهاء الخلافات بين الباكستان وأفغانستان، وحصل بالفعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تعهد من نظيريه الافغاني والباكستاني على تعهد بتجاوز خلافاتهما القديمة للعمل على القضاء على طالبان.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دارفور ... الحقيقة الغائبة والإنسان الضائع