تفتيش ... مقالي الذي منعته الرقابة

ملامح ومواجع ...
تفتيش ...
عبد الله إبراهيم الطاهر
(كان يفترض أن يُنشر هذا المقال بصحيفة الحرة فمنعته الرقابة)

قال لي الطبيب: خذ نفساً
فكدت من فرط اختناقي
بالأسى والقهر - استجيب
لكنني ... خشيت أن يلمحني الرقيب
وقال: مم تشتكي
أردت أن أجيب ...
لكنني ... خشيت أن يسمعني الرقيب
وعندما حيرته بصمتي الرهيب
وجه ضوءاً باهراً لمقلتي
حاول رفع هامتي
لكنني خفضتها ... ولذت بالنحيب
قلت له: معذرة يا سيدي الطبيب
أود أن أرفع رأسي عالياً
لكنني ... أخاف أن يحذفه الرقيب!!!

الشاعر أحمد مطر

ليت مطوري التقنيات الرقمية الحديثة فكروا في صنع جهاز يسهل عملية تفتيش "الضمائر" وكنت حينها سترى "عجباً" حتى لو لم تكن قد عشت رجبا ...
ومع أنني لم أشر للهدف من صنع ذلك الجهاز العجيب فإن صاحبي ذهب فكره أي مذهب بلا أدنى تفتيش في جمجمته التي يحملها فوق رأسه والتي يفعل لها كل شئ لتظل متقدة بالأفكار حتى أنه ذكر لي ذات مساء أن "التركين" يساهم في عملية "اتقاد الذهن" ...
كانت أفكار صاحبي وصلت حداً لا عودة منه ... هناك حيث تفتيش الكلمات وما تحمله بين طياتها مساءً في مكاتب الصحف وتلك الزيارة التي يدق لها قلب كل رئيس تحرير حينما يعمل قلم "مسنون" بسلطة ... و"مسنود" بفكرة يغطيها "غباش" الفكرة الكلية، على تشطيب الموضوعات بلا أدنى فكرة ...
حينما جلس فقد كان مجلسه الأوسع حتى من رئيس مجلس الإدارة، والجميع في خدمته من مدير التحرير الذي يحمل "البروفات" وهو يهرول من هنا وهناك إلى رئيس التحرير الذي يجلس ساهياً في ملكوته والبراكين داخله "يلجمها" واقع ميت ...
"تشيييت" ... صوت القلم يردي موضوعاً في مقتل ...
وقلب رئيس التحرير يرتج كأن قطعة منه بُترت ...
على غير العادة ... تناقشا في الأمر بأدب ... ورئبس التحرير لم يقتع ... لكنه تمنى في سره لو أن مطوري التقنيات الرقمية الحديثة فكروا في صنع جهاز يسهل عملية تفتيش "الضمائر" ...
في ستينات القرن الماضي كانت الرقابة على الصحف تتم عبر خطابات مقفولة بالشمع الأحمر ترد إلى رئيس التحرير وهي تحذر من الكتابة حول الموضوع الفلاني أو العلاني، وصادف قيام مظاهرات بجامعة الخرطوم فورد الخطاب إلى رئيس التحرير بعدم الكتابة حول تلك المظاهرات ...
ومن هناك بدأت القصة ...
يتململ الصحافيون حينما يُسكب حبرهم وتُكسر أقلامهم ...
وداخل أروقة الجريدة جاءت الفكرة بكلمة واحدة ... "التحايل" ...
فصدرت الصحيفة صباحاً والمانشيت الرئيس "مظاهرات في الجامعة" ... والخبر صغير مرمي على جانب يفيد أن مظاهرات في جامعة إحدى دول أمريكا اللاتينية التي لا ولن تهتم بأخبارها الصحيفة حتى لو ...
وفي ذات اليوم ... جاء الخطاب المعروف وهو يحمل بين طياته: بهذا تقرر إيقاف الصحيفة لمدة ثلاثة أيام ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دارفور ... الحقيقة الغائبة والإنسان الضائع

السلام في أفغانستان ... الكاسب والكاذب